
عبدالله محمد أبكر
الأستاذ الكبير عبدالله عمر خياط ـ رحمه الله ـ علم من أعلام الصحافة منذ بداياتها في المملكة العربية السعودية ومن مؤسسيها وكتابها وروادها ورؤساء تحريرها، وهو يأتي حسب علمي بعد شقيقه الأكبر العم الشيخ عبدالرحمن عمر خياط.. متعه الله بالصحة والعافية.
ثم عم محمد عمر خياط ـ رحمه الله ـ ثم هاشم عمر خياط .. عبدالله عمر خياط شبيه بشقيقه عم محمد شديد الشبه في صورته وملامح جوارح شخصيته في نبرة صوته حتى نظراته ونظارته وقص شاربه هو يشبه عم محمد .. ولكن لا يشبهه في الخط إذا كتب، فخط عم محمد فريد من مدارس مكة الراقية الأولى يشبه بعض الرسومات الفنية.
أما خط شقيقهم الأكبر الشيخ عبدالرحمن عمر خياط ففي ظني أنه أندر وأبهى وأجمل خط يد مكي في وقتنا الراهن، فهو دقيق حاو زهيد مختزل لأنواع الفنون الخطية، ما تكتبه أنت في صفحة مشبعة يكتبه لك في ربعها بأسطر ممتعة.. ويحتفظ لك ببقية مساحة الورق البيضاء.
أتطرق إلى عم محمد عمر خياط الذي كنا نجتمع به في مجلس عمدة الشامية الشيخ عبدالله محمد بصنوي ـ رحمه الله ـ قبل أكثر من ثلاثين سنة في مركازه في وسط حارة الشامية، بجوار بيت القطان، وأمام رباط البخارية، وبيت بن عبدالله إدريس على يسار النازل من شارع الشامية المنحدر إلى المسجد الحرام .. وكنت أستقي منه كثيرًا من الذكريات المكية عن رجالها ونسائها تعليمها واجتماعيات واقتصاديات وجغرافيات وحارات وعادات وتقاليد، وكان صاحب كاريزما اجتماعية نوعا ما، وحدة قليلة محمودة.. رحمه الله.
أعود إلى الأستاذ عبدالله عمر خياط الذي كان آخر عهدي به في داره على عَشاء في بيته بجدة قبل عشرين سنة، وقد حضر العشاء من مكة فضيلة السيد محمد بن علوي المالكي ومن جدة شيخ الصحافة في وقته العم حسن عبدالحي قزاز ـ رحمهما الله ..
وحينما عدت لواجب العزاء إلى منزل الخياط أنكرت الطرقات والشوارع والبيت، وكأنها كلها تثير حزني حثيثا وأن كل شيء سوف ينكر ويهجر ولا يبقى إلا تلك المعاني والأرواح الطيبة حين تلتقي في عالم البرزخ.
وعلى إثر فوران التوهم والحزن عاتبني أخونا الكبير الأستاذ السيد محمد الجفري وقد سألته: أهذا بيت الخياط إذ عهدي به قديم..؟ أجابني: (كم سنة لك عن البيت) قلت: عشرة قال : زد قلت : خمسة عشر. قال : زد. إلى أن وصلنا العشرين . ونحن نبكي ضياع أوقاتنا وإهمال زماننا وانفلات فرصنا وسرعة أعمارنا وادخار تسويفاتنا إلى آجال بعيدة لا نملكها نحن.
أخبرني الجفري أنه يعكف على مكتبة الخياط في آخر دور من علو عمارته، يعيد مع صاحبها ترتيبها وفهرستها وتصفيتها وإعادة منهج الحفظ في مكتبة المخضرم عبدالله عمر خياط .. حتى حين وفاته الذي تأزم لديه ألمٌ مرتقب وظلّ الأمل المنشود مجهولا.
أتمنى ألاّ يكون هذا الدور هو آخر دور لمكتبة الخياط الخاصة الزاخرة، تتبطن كتبها أرفف الجدران وتهجرها المطالعات مع فجريات القراء، وقبل ذلك أقلام مقالات الخياط نفسه لتكتب عن كتاب حديث ينضم إليها فور إصداره وخروجه من المطابع، أظنه لم يدع كتابًا يسمع به أو يقرأ أو يُهدى إليه لم يكتب عنه مع الفجر ليصل إلى القراء كخبز من الفرن ساخن جذاب التناول شهي المطعم .. يستعرضه وربما يستدرك على مؤلفه بما لم يبوبه أو غاب عنه تضمينه.. يشيد به وكأنه لم يقرأ كتابا جديدًا جميلا جديرا بالذكر والاشادة.. أتمنى على (سَحَرهِ) أن تمضي في طباعتها بقلمه مع صباحات فجره وتملأ زوايا فراغه بمداد مآثره.
حينما تلتقي بعدالله عمر خياط في محفلٍ أو مجلسٍ أو مأتمٍ أو مطعمٍ أو بصحيفة عكاظ على مقعد الطائرة تجد نفسك قبل الاقلاع حقًا مع فجر جديد تستعرض ما صدر من جديد الكتب مستمتعًا حتى التي مضى على عرضها عام قديم.
كتب الخياط عن كتابي: صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري) وكتب عن كتابي (أزقة مكة).. وجدير أنه وقف على زقاق الغريب بحارته الشامية بجوار بيت القطان وبجوار مركاز عمدته البصنوي على يسار النازل إلى المسجد الحرام وقبيل بازان الشامية وزقاق الجيلاني.
وقد عاتبني الخياط بلطيف الإشارة والعبارة على عنوان الكتاب (أزقة مكة) لماذا لم أكله (مكة المكرمة) وهو نفسه يصحح المسار والعنوان بقوله (القُرب حِجاب) ـ تجده في رابطه.
وكان يرد على منتقدي بعض أسماء العوائل الواردة في كتابي (صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري): كتاب أبكر هو من عمل البشر ولا بد أن ينسى ويغيب عنه الكثير، والافضل بالمنتقدين التعاون معه والتعقيب بموضوعية في استدراك ما فات وما نسي أو سهى عنه أو لم تصله المعلومة أصلا وهذا أمر بديهي والكتاب متعوب عليه ويشكر مؤلفه والكمال لله وحده) كانت وفاته مساء يوم الأربعاء 15/2/1440 وآخر ما سطره الخياط في مقالة "أزقة مكة" ـ قوله :
خل جنبيك لــــــــرامٍ وامضي عنه بسلام
مت بداء الصمت خير لك من داء الكـــلام