عبده الأسمري
نصب عموده مع الفجر وسكب حبر قلمه في نهارات «بلاط صاحبة الجلالة» فكتب «المقال» درساً ورتب «الصحافة» منهجاً.. تاركاً على صفحات «الأستاذية» بصماته صحافياً وكاتباً وقيادياً وأديباً.
إنه الكاتب الصحافي ورئيس تحرير عكاظ سابقاً الأديب الراحل عبدالله عمر خياط رحمه الله أحد أبرز المؤثرين في العمل الصحافي وأشهر كتاب المقالات في الوطن.
بوجه مكاوي حنطي مألوف مسكون بالتروي ومحيا باسم يتقاطر أدباً تعنونه نظارة لا تفارقه وعينان واسعتان تنطقان إنصاتاً مع ملامح حجازية أصيلة وشارب أبيض وأناقة تعتمر البياض في تشكيلة ثابتة ترفع من طرف وتسدل من الآخر شكلت «متلازمة أنيقة» و«أناقة مستديمة» مع صوت جهوري يرفل باللهجة المكاوية العتيقة ويحتفل بمفردات أدبية محضة وبيان لغوي بالغ قضى خياط من عمره عقوداً يكتب المقال ويؤسس الخطط الصحفية ويبرمج الأداء المهني في قالب «انفرادي» جعلته شيخ الصحافيين وخبير الكتابة» في مسيرة زاخرة بالإبداع وفاخرة بالإمتاع على المستويين المهني والشخصي.
في مكة المكرمة ولد خياط وانخطف لحكايات السداد في تجارب عائلته فصال وجال بين مرابع «الذكريات» باحثاً عن ضياء الأمنيات فظل يراقب أحاديث «الروحانية» في مجالس المكيين موزعاً يومه ما بين «شقاوة بريئة» جعلته يتعلم التجارة في جولات دائمة بين متاجر حيه ليكتب بدايات «الذكاء» و«طفولة جريئة» دفعته لمواجهة فضول معرفي أشبعه باقتناء الكتب وتتبع المعلومات من أفواه حكماء مكة ووجهاء الحجاز فنشأ ينظم «قصيدة الثبات» ويخطب ود التعلم فكان يجمع قصاصات الصحف ويستجمع قواه لمنازلة مسابقات «الحي» ونقاشات الكبار ليحضر بينهم كمشروع علني وسفير قادم للحرف جعله يوجه بوصلة أحلامه نحو إشباع روحه اللاهثة وراء الكلمة.
كان خياط مولعاً بمواسم السكينة ومراسم الضيافة في محافل الحج والعمرة فقضى وقتاً يعمل كجندي مجهول يرصد إيحاءات النبل بين وجوه الزائرين ويرسم مشاهد «الفضل» على ثنايا الاستقبال والخدمة المكية فتربى في كنف «الواجب» وترقى عبر سلالم «المعروف» ليرتقى إلى حيث «الامتثال الإنساني» فتشبع وجدانه بالحسنى وتعتق قلبه بالمثالية فظل أصيلاً يوزع بشائر الاهتمام نبيلاً يحتوى هموم الغير فيرسمها «كقوالب مكتوبة» في سنين صافح فيها قراءة بيد «بيضاء» ونافح خلالها عن «الأمانة والنزاهة والإخلاص» بعطور «النقاء» وسطور «الحيادية»
سيرة حافلة بدأها خياط بالكتابة منذ عام 1381 بكتابة عمود يومي ومقال أسبوعي في صحف البلاد، وعكاظ، والجزيرة، وتدرج في الوظائف الصحفية في عدة مواقع حيث بدأها بالعمل محرراً أول بشرطة العاصمة المقدسة في الفترة من1357 - 1379هـ.
ثم انتقل للعمل سكرتيراً بمكتب جريدة البلاد بمكة عام 1380 ثم مديراً للمكتب حتى 1384 ثم انتقل ليشغل منصب مدير تحرير جريدة عكاظ في العام الأول من صدورها وفق نظام المؤسسات الصحفية عام 1384 ثم تم تعيينه رئيساً لتحرير «عكاظ» من عام 1385هـ حتى عام 1390
رافق عبدالله خياط الملك فيصل رحمه الله كصحفي في معظم زياراته الرسمية الخارجية وكان خياط أول صحفي سعودي يجري حديثاً شاملاً مع الملك فهد رحمه الله عن مجلس الشورى ونظام المناطق.
صدرت له سلسلة من الكتب مثل «المدمن.. أنا» و«هيروين على الشفاه» ثم كتابه المتميز «الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه»، وكتاب عن مختارات من روائع المتنبي كما ألف كتاب «النزاهة الشامخة» عن سيرة فقيد الأدب العربي الأديب محمد عمر توفيق رحمه الله، وفي الجانب السياسي أصدر كتابه «النصر.. نحن صنعناه» وكتاب «الصحافة بين الأمس واليوم», تقلد الكثير من المسؤوليات الصحافية والمنوعة تمثلت في عدة عضويات في مؤسسات وجهات أدبية وثقافية وصحافية
غيب الموت الأسبوع الماضي خياط بعد عمر طويل ركض فيه بأنفاس نفيسة بين دروب الصحافة وضروب الحصافة.. ونعته وزارة الاعلام وشيعته آلاف الجموع ليوارى ثرى «مكة» الطاهر التي طالما كتب له وحن إليه وسار فيه..
وكعادة «الكبار» لا تزال المتون «ممتلئة» بأصول «كلماته» وفصول «معانيه» التي كانت همه اليومي وهمته الدائمة في تكريس وقته وتوظيف فكره وتشريف قراءة بوميض الرأي في الشأن العام وفيض بعد النظر في قضايا المجتمع.
رحل جسداً وبقى عمله تجسيداً يؤكد ملحمة القلم مع المفردات ولحمة الكاتب مع القراء.. في منظومة عمر وذكر ليبقى خياط «قائد كتيبة الكتاب السعوديين» الذي نصر ذاته وانتصر للآخرين بسلطة «الكلمة» وهيمنة «العبارة».