مقالات صحفية > في رثاء الخياط
 
الخياط.. والخاتمة الطيبة التي تشبه قلب صاحبها

الخبر - عبير البراهيم


لم يكن يعلم الكاتب الكبير الراحل عبدالله عمر خياط وهو يكتب مقاله "شهر صفر.. موسم جديد" يوم الأحد بتاريخ 5 من صفر الجاري بأن هذا الشهر الذي كتب فيه هذا المقال والذي قال فيه بأنه مخصص للمكاويين والجداويين والطائفيين لأداء العمرة في البيت الحرام بعد انقضاء مواسم المناسبات بأنه الشهر الذي سيكون نهاية مواسم الكتابة في حياة الصحف السعودية لعموده الذي لم يكن سوى جزء من حكاية مرادفة للاسم الذي أحب تسمية عموده الصحفي بها وهي "فجر" وكأن هناك تآمر على وضع هذا الرجل القامة في صفوف البقاء الذي لا يغيبه الموت فشهر صفر يصفه بأنه موسم البدايات الجديدة، وزاويته تنبه بأن هناك فجراً في كل يوم سيبدأ وكأن هذا الكاتب الذي قضى أكثر من 55 سنة في الكتابة للصحافة السعودية والعربية يعلم بأن النهايات هي بداية، كيفما كان شكل تلك البداية، فهل كان يعلم "الخياط" بأن "مواسم صفر" ستشد بيده إلى العالم الآخر فيترك الصحافة التي لطالما وهبها حياته تعاني فقده وتتجرع أسى مرارة هذا الغياب الكبير والفقد الموجع؟.


لن يطول الحديث كثيراً عن "الخياط" فيما يتعلق بمسيرته الإعلامية والصحفية البارزة، فعبدالله الخياط من الأسماء التي يصعب جداً أن تختصر إنجازاته أو كيف شق طريقه الكتابي في سطور، فمن المخجل أن نكتب عنه وهو القلم الذي لم يبق على شيء إلا وكتب عنه، فهو من أقدم كتاب العمود الصحفي البارزين والصحفي الذي انفرد بمحاورة الرؤساء والملوك، فالخياط مكانه ليس في سطور وإنما في القلب كما أحب الكثيرين ممن أنفقوا الكثير من الزمن معه أن يعبروا بذلك.


إلا أن اللافت في رحيل هذه القامة الكبيرة ترادف الأزمان في حكاية الفقد التي تتكرر في محيط أسماء إعلامية بارزة نفقدها دوماً بالغياب، ذلك أن المشكلة الحقيقية التي نعاني منها بأن من يغيب بالموت من هؤلاء لا يرحل فنحن في الواقع من نرحل لأنهم باقون دوماً في كلمة، في شكل حياة، في مسيرة طريق طويل.. فالحنين يعاني منه من يبقى أما من يترك المكان فقد تركه وحدث ما حدث.


لم ترد مشيئة الله أن تترك النهاية لعبدالله خياط أن ينتهي على السرير الأبيض في أحد المستشفيات، لكنها جهزت له نهاية تليق به حينما وضعته في طريق الطهارة الأخيرة حتى يلاقي ربه وهو يستعد لصلاته التي لم يكن يعلم بأنها ستكون الأخيرة. وكأن هناك أحاسيس تدفع البعض ممن يتوقظ لديهم الإحساس العميق بالأشياء بأنهم ماضون فيختارون النهايات التي تشبه قلوبهم.


رحم الله خياط الذي فقد المشهد الإعلامي والأدبي والإنساني برحيله قامة لا تعوض.. ولكل شخص من اسمه نصيب.. فهذا الخياط أنهى الحياة وهو مصر دوماً على حياكة الكلمة وتركها تنسج خيوطها بإبداع وعفوية وصدق دون أن يرقع عليها شيء من البؤس الذي لطالما تجرعه الكثير من الكتاب في كتاباتهم.. ثم يختم مقال موسمه الأخير بقوله:


تأخرت استبقي الحياة فلم أجد


لنفسي حياة مثل أن أتقدمها


فهل هذه صدفة أو حدس المؤمن لشهر سيغادر فيه إلى الرفيق الأعلى؟.

 
صحيفة الرياض - 17/02/1440 / 25/10/2018